النقابات المهنية- ضرورة لمواجهة الفساد وحماية البنية التحتية
المؤلف: عبداللطيف الضويحي08.08.2025

مع كل قطرة من الغيث الهاطل، تتزاحم الأسئلة المحفوفة بالوجل في الأذهان، فيقف الناس حائرين، هل يبتهجون بنعمة المطر، أم يؤجلون فرحتهم حتى انقضاء الشتاء وموسم الأمطار، ريثما يتأكدون من حجم الخسائر الفادحة التي لحقت ببيوتهم وشوارع مدينتهم، بأنفاقها وجسورها المتهالكة.
فكم من المنازل والمنشآت الحيوية والمرافق العامة لا تقوى على الصمود أمام وابل من المطر يستمر لساعة أو ساعتين فحسب، وإذا ما استمر الهطول لفترة أطول، فإن العواقب تكون وخيمة ومفجعة.
فما هو مكمن الداء؟ الجواب السريع والمختصر والدارج هو الفساد المستشري، نعم إنه الفساد، ولكن ثمة عوامل أخرى كامنة، فلو كان الفساد هو السبب الوحيد، لكان من اليسير تحديد المتهمين والجهات المتورطة، ولكان بالإمكان تدارك الأمر وتجنب تكرار الأخطاء والكوارث.
هناك جملة من الأسباب تقف حائلاً دون انكشاف الفساد وتعرية الحقائق، وتحول دون تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية، بل تجعل من الفساد أمراً اعتيادياً ومألوفاً في كثير من الأحيان، وذلك نتيجة لتداخله مع مشكلات تشريعية معقدة، ومشكلات تنظيمية هيكلية، ومشكلات مجتمعية متراكمة.
ولعل من أبرز تلك المشكلات، في اعتقادي الشخصي، هو الغياب الملحوظ للنقابات المهنية والعمالية الفاعلة، فالنقابات المهنية والعمالية قادرة على وضع النقاط على الحروف وكشف المستور، وفضح الفساد المتسبب في ظاهرة تساقط الأسطح وتقاطر المياه من الأسقف وانهيار المباني والمرافق والممتلكات الخاصة والعامة. ولكي نميز الفساد المقصود لذاته، لا بد من إقرار واعتماد شهادات مهنية موثوقة لأصحاب المهن على اختلاف تخصصاتهم.
فلا بد من إجراء اختبارات دورية شاملة، ولا بد من تأهيل أصحاب المهن والعاملين كل حسب مهنته ومجاله، ولا يمكن القبول باستمرار عمل الطباخين في مجال المقاولات، والخياطين كمهندسين، والمعقبين والسائقين كمحامين.
لا يمكن السماح لكل من هب ودب بالتنقل كيفما شاء من صيانة المكيفات إلى العمل في مكاتب السياحة أو الفنادق الفاخرة، فهناك مهن يجب أن يحترمها أصحابها، وأن يمارسوها باحترافية عالية وبتدريب متواصل، وأن يخضعوا لاختبارات مستمرة لضمان إتقانهم لمهنتهم، ومنحهم رخصة واعتماداً رسمياً يخولهم العمل حصراً في هذا المجال دون سواه.
هذا التنظيم الدقيق لا يمكن للحكومة بمفردها أن تضطلع به، ولا يمكن للقطاع الخاص أن يقوم به على أكمل وجه، وإذا ما أرادت الحكومة إنشاء مؤسسة حكومية للقيام بهذه المهمة، فسوف لن يختلف هذا الجهاز قيد أنملة عن مؤسسة التدريب التقني والمهني المتعثرة في أدائها، والتي باتت تعيق كل من يتعامل معها.
هذا العمل الحيوي هو مسؤولية النقابات المهنية والعمالية بالدرجة الأولى، والتي تتبع عادةً مؤسسات المجتمع المدني. لقد آن الأوان لإقرار نظام النقابات المهنية والعمالية الفاعلة للارتقاء بمستوى الأداء المهني وتحديد المسؤوليات بوضوح عند وقوع الأزمات والكوارث، سواء في موسم الأمطار الغزيرة أو في الظروف الاستثنائية الأخرى.
أعتقد جازماً أن جزءاً كبيراً من مشكلة تحديد المسؤولية عند انهيار المباني، أو تساقط الواجهات، أو تسرب المياه من الأسطح، أو جرف السيول للأنفاق والجسور، يكمن في التداخل الفوضوي بين مسؤوليات المهن المختلفة وعدم وضوحها، والناجم عن أن الكل يعمل في كل شيء دون تخصص أو خبرة كافية. فالحارس حالياً بعد مضي عام واحد يمكنه القيام بأعمال المقاولات، وبعد عامين يصبح "مؤهلاً" لخوض التجربة إذا كانت مغرية ومربحة، والسائق يستطيع أن يتجاوز الحاجز المهني بكل سهولة ويعمل كخبير في مبيدات الآفات الحشرية، وبعدها بسنة يصبح مهندساً زراعياً مرموقاً، خاصة وأن المؤسسة الحكومية لا تكترث كثيراً للأخطاء الفنية والمهنية والتنفيذية، بقدر ما تهتم بالمظاهر الشكلية والزخارف الخارجية، ولا ينعكس اهتمامها الحقيقي في بنود العقود، بحيث تتضمن عقود الترسية، صيانة الطرق والشبكات والجسور على نفس الجهة المنفذة، الأمر الذي يوجب على تلك الجهات أن تحسب ألف حساب لجودة التنفيذ ومستواه ومهنية المنفذين.
ولو أن هيئة النزاهة أرادت اليوم أن تحدد مسؤولية الفساد في حادثة سقوط أحد مباني جامعة الإمام المرموقة، أو أحد الجسور الحديثة في جدة، أو انهيار أسقف أحد المطارات الدولية، لربما أمكنها بسهولة تحديد الشركة التي قامت بالتوقيع والتنفيذ، وكذلك الطرف الحكومي المتخاذل أو المتواطئ معها، لكنني أشك بشدة في قدرة هيئة النزاهة على تحديد مسؤولية المهنيين المتورطين في الشركة، بدءاً من المقاولين والمهندسين والمصممين والحدادين والنجارين والكهربائيين والسباكين والفنيين، لسبب بسيط وواضح، هو أن جميع هؤلاء كأفراد يستطيعون بكل بساطة أن ينكروا صلتهم المهنية بالموضوع برمته، فلا يوجد تصنيف مهني معتمد لهم، ولا توجد جهة نقابية مخولة بسحب تصنيفهم المهني أو معاقبتهم بعد سلسلة الكوارث المتكررة التي يرتكبونها، والأدهى من ذلك والأمرّ هو أن من يتم عقابه في حادثة أو كارثة معينة، يمكنه بعدها أن يستمر في ممارسة ذات المهنة أو المهن التي يستهويها، ولا توجد جهة مهنية قادرة على وضعه في القائمة السوداء مهنياً. وبمعنى آخر أكثر وضوحاً، نحن بحاجة ماسة لأن يشمل عقاب هيئة النزاهة أو غيرها أولئك الذين لا يحملون شهادة مهنية معترف بها أو الذين يعملون بغير مهنتهم الأصلية، ولا يكفي بتاتاً عقاب الشخصيات البارزة أو الشركات المتورطة في قضايا الفساد.
لقد حان الوقت لوقف هذا العبث المستشري وهذه الفوضى المهنية العارمة، ووقف المتطفلين على المهن من باب المجاملة، أو من باب العرض والطلب، أو من باب تنويع الزبائن وتوسيع نطاق العمل الشخصي، إننا اليوم، وبناءً على كل ما تشهده المملكة العربية السعودية من تطلعات طموحة وتحديات جمة، بحاجة ماسة لإصدار نظام النقابات المهنية والعمالية الفاعلة، لتكون القائمة السوداء هي أقل ما يمكن اتخاذه من إجراءات رادعة داخل المملكة وفي دول الخليج قاطبة، بحق جميع المتورطين والمستهترين في المجال المهني.
فكم من المنازل والمنشآت الحيوية والمرافق العامة لا تقوى على الصمود أمام وابل من المطر يستمر لساعة أو ساعتين فحسب، وإذا ما استمر الهطول لفترة أطول، فإن العواقب تكون وخيمة ومفجعة.
فما هو مكمن الداء؟ الجواب السريع والمختصر والدارج هو الفساد المستشري، نعم إنه الفساد، ولكن ثمة عوامل أخرى كامنة، فلو كان الفساد هو السبب الوحيد، لكان من اليسير تحديد المتهمين والجهات المتورطة، ولكان بالإمكان تدارك الأمر وتجنب تكرار الأخطاء والكوارث.
هناك جملة من الأسباب تقف حائلاً دون انكشاف الفساد وتعرية الحقائق، وتحول دون تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية، بل تجعل من الفساد أمراً اعتيادياً ومألوفاً في كثير من الأحيان، وذلك نتيجة لتداخله مع مشكلات تشريعية معقدة، ومشكلات تنظيمية هيكلية، ومشكلات مجتمعية متراكمة.
ولعل من أبرز تلك المشكلات، في اعتقادي الشخصي، هو الغياب الملحوظ للنقابات المهنية والعمالية الفاعلة، فالنقابات المهنية والعمالية قادرة على وضع النقاط على الحروف وكشف المستور، وفضح الفساد المتسبب في ظاهرة تساقط الأسطح وتقاطر المياه من الأسقف وانهيار المباني والمرافق والممتلكات الخاصة والعامة. ولكي نميز الفساد المقصود لذاته، لا بد من إقرار واعتماد شهادات مهنية موثوقة لأصحاب المهن على اختلاف تخصصاتهم.
فلا بد من إجراء اختبارات دورية شاملة، ولا بد من تأهيل أصحاب المهن والعاملين كل حسب مهنته ومجاله، ولا يمكن القبول باستمرار عمل الطباخين في مجال المقاولات، والخياطين كمهندسين، والمعقبين والسائقين كمحامين.
لا يمكن السماح لكل من هب ودب بالتنقل كيفما شاء من صيانة المكيفات إلى العمل في مكاتب السياحة أو الفنادق الفاخرة، فهناك مهن يجب أن يحترمها أصحابها، وأن يمارسوها باحترافية عالية وبتدريب متواصل، وأن يخضعوا لاختبارات مستمرة لضمان إتقانهم لمهنتهم، ومنحهم رخصة واعتماداً رسمياً يخولهم العمل حصراً في هذا المجال دون سواه.
هذا التنظيم الدقيق لا يمكن للحكومة بمفردها أن تضطلع به، ولا يمكن للقطاع الخاص أن يقوم به على أكمل وجه، وإذا ما أرادت الحكومة إنشاء مؤسسة حكومية للقيام بهذه المهمة، فسوف لن يختلف هذا الجهاز قيد أنملة عن مؤسسة التدريب التقني والمهني المتعثرة في أدائها، والتي باتت تعيق كل من يتعامل معها.
هذا العمل الحيوي هو مسؤولية النقابات المهنية والعمالية بالدرجة الأولى، والتي تتبع عادةً مؤسسات المجتمع المدني. لقد آن الأوان لإقرار نظام النقابات المهنية والعمالية الفاعلة للارتقاء بمستوى الأداء المهني وتحديد المسؤوليات بوضوح عند وقوع الأزمات والكوارث، سواء في موسم الأمطار الغزيرة أو في الظروف الاستثنائية الأخرى.
أعتقد جازماً أن جزءاً كبيراً من مشكلة تحديد المسؤولية عند انهيار المباني، أو تساقط الواجهات، أو تسرب المياه من الأسطح، أو جرف السيول للأنفاق والجسور، يكمن في التداخل الفوضوي بين مسؤوليات المهن المختلفة وعدم وضوحها، والناجم عن أن الكل يعمل في كل شيء دون تخصص أو خبرة كافية. فالحارس حالياً بعد مضي عام واحد يمكنه القيام بأعمال المقاولات، وبعد عامين يصبح "مؤهلاً" لخوض التجربة إذا كانت مغرية ومربحة، والسائق يستطيع أن يتجاوز الحاجز المهني بكل سهولة ويعمل كخبير في مبيدات الآفات الحشرية، وبعدها بسنة يصبح مهندساً زراعياً مرموقاً، خاصة وأن المؤسسة الحكومية لا تكترث كثيراً للأخطاء الفنية والمهنية والتنفيذية، بقدر ما تهتم بالمظاهر الشكلية والزخارف الخارجية، ولا ينعكس اهتمامها الحقيقي في بنود العقود، بحيث تتضمن عقود الترسية، صيانة الطرق والشبكات والجسور على نفس الجهة المنفذة، الأمر الذي يوجب على تلك الجهات أن تحسب ألف حساب لجودة التنفيذ ومستواه ومهنية المنفذين.
ولو أن هيئة النزاهة أرادت اليوم أن تحدد مسؤولية الفساد في حادثة سقوط أحد مباني جامعة الإمام المرموقة، أو أحد الجسور الحديثة في جدة، أو انهيار أسقف أحد المطارات الدولية، لربما أمكنها بسهولة تحديد الشركة التي قامت بالتوقيع والتنفيذ، وكذلك الطرف الحكومي المتخاذل أو المتواطئ معها، لكنني أشك بشدة في قدرة هيئة النزاهة على تحديد مسؤولية المهنيين المتورطين في الشركة، بدءاً من المقاولين والمهندسين والمصممين والحدادين والنجارين والكهربائيين والسباكين والفنيين، لسبب بسيط وواضح، هو أن جميع هؤلاء كأفراد يستطيعون بكل بساطة أن ينكروا صلتهم المهنية بالموضوع برمته، فلا يوجد تصنيف مهني معتمد لهم، ولا توجد جهة نقابية مخولة بسحب تصنيفهم المهني أو معاقبتهم بعد سلسلة الكوارث المتكررة التي يرتكبونها، والأدهى من ذلك والأمرّ هو أن من يتم عقابه في حادثة أو كارثة معينة، يمكنه بعدها أن يستمر في ممارسة ذات المهنة أو المهن التي يستهويها، ولا توجد جهة مهنية قادرة على وضعه في القائمة السوداء مهنياً. وبمعنى آخر أكثر وضوحاً، نحن بحاجة ماسة لأن يشمل عقاب هيئة النزاهة أو غيرها أولئك الذين لا يحملون شهادة مهنية معترف بها أو الذين يعملون بغير مهنتهم الأصلية، ولا يكفي بتاتاً عقاب الشخصيات البارزة أو الشركات المتورطة في قضايا الفساد.
لقد حان الوقت لوقف هذا العبث المستشري وهذه الفوضى المهنية العارمة، ووقف المتطفلين على المهن من باب المجاملة، أو من باب العرض والطلب، أو من باب تنويع الزبائن وتوسيع نطاق العمل الشخصي، إننا اليوم، وبناءً على كل ما تشهده المملكة العربية السعودية من تطلعات طموحة وتحديات جمة، بحاجة ماسة لإصدار نظام النقابات المهنية والعمالية الفاعلة، لتكون القائمة السوداء هي أقل ما يمكن اتخاذه من إجراءات رادعة داخل المملكة وفي دول الخليج قاطبة، بحق جميع المتورطين والمستهترين في المجال المهني.